يعتبرعلم الطب من العلوم المهمة في حياة البشرية وبتطبيقه تتحقق كثيرمن المصالح العظيمة والمنافع الجليلة، التي منها حفظ الصحة، ودفع ضررالأمراض عن بدن الإنسان فيتقوّى المسلم بذلك على طاعة ربه عزوجل ومرضاته، ولعظيم ما فيه من المصالح والمنافع أباحت الشريعة الإسلامية تعلّمه وتعليمه وتطبيقه ، “الطب علم نظري عملي ، أباحت الشريعة تعلّمه وتعليمه لمافيه من حفظ الصحة ، ودفع العلل والأمراض عن هذه البنية الإنسانية الشريفة ” أ.هـ . وجميع المجتمعات البشرية في مختلف العصوروالأزمنة محتاجون إلى وجود الطبيب الذي يسعى في معالجة مرضاهم بإذن الله تعالى، وهؤلاء فقهاء الإسلام وأئمته الأعلام نجدهم ينصون في كتبهم وفتاويهم على فرضية تعلّم الطب على الكفاية، والإمام الشافعي رحمه الله تعالى يقول: “لا أعلم علماً بعد الحلال والحرام أنبل من الطب” وهو العلم الذي جعل الله فيه وفي تطبيقه المصالح والمنافع الجليلة،فمع ما فيه من تفريج لكربات المرضى، فيه المصالح الدينية الأخروية التي تعود
على الطبيب نفسه ، ففي علم الطب وتطبيقه الدلائل الشاهدة بوحدانية الله تعالى،الناطقة بعظمته وقدرته، تزيد المؤمن إيماناً بربه، ومعرفة بأسمائه وصفاته،وإيقاناً بعظمته وقدرته وحكمته، وفي ذلك استجابة لدعوة الله تعالى في كتابه العزيز حيث قال جلّ من قائل:{{وفي الأرض آيات للموقنين*وفي أنفسكم أفلاتبصرون}} -الذاريات -20-21- وما لا شك فيه أن قيامي في مثل الحالات الخطيرة والمميتة وسعيي لإنقاذ النفس المحرّمة يعدّ من أجلّ ما
يتقرب به إلى الله عزوجل لما فيه من تفريج كربة المسلم، وإعانته على البروالتقوى،إذ يتقوّى بذلك الجسد المعافى على الزيادة من طاعة الله عزوجل،وفي الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:”بينما كلب يطيف بركية قد كاد يقتله العطش إذ رأته بغي من بغايا بني إسرائيل فنزعت موقها فاستقت له به فسقته إياه فغفرلها به”- رواه مسلم في صحيحه- فإذا كانت تلك هي عاقبة من سعى في إنقاذ حيوان من الهلاك بسقيه ، فإن عاقبة من سعى في إنقاذ النفس الآدمية المحرّمة من الهلاك والموت بالعلاج أجلّ عنــد الله تعالى وأعظـم ثواباً،والله تعالى يقول:{ من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفساً بغير نفس أوفساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً }-المائدة 32-قال الألوسي رحمه الله تعالى في تفسيره: {ومن أحياها} (أي تسبّب لبقاء نفس واحدة موصوفة بعدم ما ذكرمن القتل والفساد، إما بنهي قاتلها عن قتلها،أواستنقاذها من سائرأسباب الهلكة بوجه من الوجوه ) أ.هـ . والخلاصة التي لا بد من الوصول إليهاهوأن الله جلّت قدرته قدامتدح ورفع من شأن الساعي في سبيل إحياء النفس وإنقاذها من أسباب الهلاك
والتدمير،وهكذا فقد كان كل وقتي وسعيي وأدويتي والجراحات التي قمت بها كلها كانت تستهدف إنقاذ النفس المعصومة من الهلاك المحقق ، وبالإضافة إلى ما تقدم فقد حافظت على أسرار المرضى المنهي شرعاً عن كشفها، كماوأنني لم أخبرمريضاً واحداً بما يخالف الحقيقة والواقع، وذلك التزاماً مني بقوانين الطب المنظمة لسلوك الأطباء ومساعديهم والتي تنص على أنه لايجوزللطبيب أن يبالغ في حقيقة المرض، بل يجب عليه أن يحيط مريضه بحقيقة دائه ودرجة خطورته.
ومن المعلوم شرعا بأن إبلاغ المريض بحقيقة مرضه ومايعانيه تترتب عليه مصالح شرعية، إذ يمكّنه ذلك من الاحتياط لنفسه بالوصية بحقوق الآخرين وتحصيل الأجر بالاستعداد بخصال الخير من ذكروصدقة ، وفي الكذب عليه وخديعته ما يفوّت تلك المصالح ويوجب ضدها من المفاسد التي قد تشتمل على إضاعة حقوق الآخرين،وبهذا يندفع الضرر، وتحقق المصالح الشرعية المطلوبة، مع المحافظة على أصل الشرع الموجب للبعد عن الكذب. وإيماناً بالله سبحانه وتعالى، وانطلاقاً مما سبق ذكره، وعملاًبما نص عليه القرآن الكريم ودلت عليه الأحاديث الشريفة الصحيحة، واقتفاءً لأثرأبي وأجدادي الكرام- أصحاب المناقب العظيمة، والأفعال المجيدة، والخصال الحميدة-، فقد توكلت على الله الحي القيوم وبدأت ممارسة الطب بعد دراسة ما تيسر من علومه النظرية والتطبيقية، مع المحافظة على الإطلاع المستمروالمتواصل على كل الدراسات العلمية الحديثة فورصدورها من المراكزالطبية المتخصصة . وخلال السنوات العشر الماضية التي مارست فيها الطب بنجاح والحمد لله تعالى على فضله وتوفيقه وعظيم إحسانه، فقدوفقني الله العزيزالحكيم لعلاج أمراض خطيرة ومزمنة ،كالعقم ،الصرع ، الإجهاض، أورام الثدي ،وأمراض الدورة الدموية . إنّ الحديث عن تلك المنجزات والنجاحات التي كانت في جلّها أقرب إلى المعجزات ليس من باب التعصّب والاعتداد بالذات، وإنمامن باب التحدث بالنعم أولاً والمعرفة ثانياً، ثم لإظهار المكتسبات التي حققتها لكي أنصف بإعطائي قدري وحقي،وحينئذ يكون الحديث والإقراربفضل الله تعالى الذي وهبنا إياه فيه إظهار للحق، وإبطال للباطل، وإضافة إلى ماسبق فإن إظهار فضل الأطباء المسلمين إنماهو في الحقيقة إظهارلفضل الإسلام نفسه، وفيه دعوة للتمسك به والالتزام الكامل لمبادئه وآدابه
وشرائعه .
والله أعلم وهو الموفق الشافي .
كتبه الراجي عفوربه ومغفرته الطبيب:
سيدي بن عبدالجليل بن أحمدالمقري
لثلاث وعشرين ليلة خلت من رجب 1427هجرية .
تعليقات الموضوع: