ما المطلوب من الطبيب ، ومن يعالج ؟ .
هل يعالج الطبيب أوراقا صمّاء ، أوأناسا من لحم ودم و أعصاب ؟ ، وبلا أية عقلانية أو حذلقة .
يعالج الطبيب المرضى من البشر، وبالتالي فهو يتعامل معهم مباشرة ودون حواجز، يرى أوجههم ويستشعرانفعالاتهم ، ويشمّ رائحتهم ، ويجسّ نبضهم ، ويلمس جلودهم ويصغي إلى دقات قلوبهم ، وإلى تنفسهم ، وعليه فهو يتعامل مع روح الإنسان مثلما يتعامل مع جسمه وأحاسيسه …. ذلك هومنهج الطبّ في الأصل ، وهوالمنهج الذي يجب علينا أن نحافظ عليه وعلى روحه الجميلة وآدابه الأصيلة ، ومن ذلك أن لاّ نستعيض عن الإنسان بصورته ، أي أنه يجب علينا عدم القيام بإجراءات لا داعي لها طالما أن الأمر بيّن وواضح ولا لبس فيه ، فهل نحتاج مثلا الى تحليل دم ليؤكد لنا التهاب اللوزتين أو الأذن أوالحنجرة ، طالما أننا نرى ذلك بالعين المجردة ! .
إنّ الطريقه الصحيحة هي أن يتم اللجوء الى تحليل الدم والصوّر المختلفة في غياب الدلائل الواضحة على وجود المرض ، كما وينبغي التأكيد على أنّ التعامل يجب أن يكون مع المريض وليس مع التحاليل ، إذ أنّ النتائج قد تكون طبيعيّة ولكنّ الشخص مريض يعاني الإسهال أو القيئ أو التهابات الحلق أو من أورام وماشابه ، وربما يكون هناك مرضا أكثر خطورة وأشدّ فتكا ، وعندما تكون نتائج التحاليل طبيعيّة فإنّ ذلك لا ينفي حصول المرض ، حيث تحتاج العلامات الدموية والشعاعية الى بعض الوقت كي تظهر، وقد يكون هناك من المختصّين من لاّ يحسن قراءتها ومن الأطبّاء من لاّ يستفيد من خبرته وماضيه المهني ، وعندما ننتظر ظهورتلك التحاليل دون أن نتصرّف فحينئذ نكون قد أضعنا ساعات ثمينة من الوقت الممنوح لنا ، وربما ساعدنا في تدمير حياة المريض بذلك الانتظار.
وهكذا فإنّ الطبيب النّاجح ليس الذي يحاط بعدد هائل من الأوراق الجامدة والمصادر العلمية ، ولا الذي يصغي للتعليمات الصمّاء التي تعمي القلب وتدمي العين ، وإنما الطبيب الناجح هو الذي يفهم روح الطبّ ويلتزم أسسه وضوابطه ، ويستفيد من تجربته وزمّلاءه ، ويحسن استثمار خبرته ونتاج عقله .
إنّ كثرة التعليمات الواردة لا تعطي طبّا ناجحا ، ومثلما لا يحتاج تمشيط الشعر
إلى عدّه أو إلى مشط ذهبيّ ، وإنّما أيّ مشط جيّد يكفي ، مادامت اليد التي تستخدمه مدركة لعملها عبر سلامة أعصابها، وما يأتيها من توجيهات مرتبطة بالعقل
السليم ، الذي هوغاية الطبّ المثلى ،
ومن دونه لن ينفع طبّ ولن يجدي علاج .