ظاهرة خطيرة ومزعجة بدأت تنتشر في الأوساط الطبيّة في جميع أنحاء العالم …. ففي العام 1998 تم سحب تراخيص ممارسة مهنة الطب من 1957 ، وارتفع في 1999 إلى 2190 ، ثم 3014 في 2000 ، لتصل في عام 2016 إلى 7589 .
تقدّر بعض الدراسات ( الامريكية والكندية والسويدية والسويسرية والبريطانية ) أنّ عدد الوفيات المترتّبة على تلك الأخطاء الطبيّة أو الإهمال يصل إلى حوالي 178ألفا كل عام .
أخطاء الأطبّاء أمر شائع ، ليس في الدول المتخلّفة فقط ، وإنما في معظم الدول المتقدّمة أيضا ، بل وفي أكثر الدول تقدما في العلم والطب ّ ، وقد برزت المشكلة في وسائل الإعلام الإمريكية بعد سنوات من وقوع الحادث المفجع ، الذي أسفر عن مقتل ذائعة الصّيت ، الصحفيّة الألمع بتس لهمان ، المتخصّصة في الشؤون الصحيّة ، والتي قضت نحبها بسبب خطأ طبّي مميت أثناء محاولة علاجها من السرطان ، في أكبر مستشفى للأورام في بوسطن ، وهو مستشفى ” دانا – فارير” ، المتخصص في علاج السرطان بجامعة هارفارد العريقة .
كانت الصحفية بتس لهمان متخصّصة في متابعة ونشر كل مايخص الميادين الطبيّة ، وكان مقالها اليومي في ” بوسطن جلوب ” مشهورا لتميّزه الإستقصائي ، وفي تحقيقاتها ومقالاتها لم تترك شيئا بلاتحقيق أو تعليق ، ابتداء من الأبحاث الجديدة ، وحتى المنجزات والأخطاء في الحقل الطبي .
عندما علمت بإصابتها بالسرطان ، اختارت بنفسها أبرز المراكز المتخصصة في مرضها ، وفجأة ودون سابق إنذار تعلن جريدتها في صفحتها الأولى نبأ وفاتها ، محمّلة المركز الطبّي الذي كان يعالجها مسؤولية وفاتها ، بعد ما ثبت بما لايدع مجالا للشك ، تعرّضها لجرعة من العلاج الكيميائي ، تزيد أربع مرات عمّا يتحمله جسمها الرشيق … وعندها انفجرت مشكلة أخطاء الأطباء ، وتم فتح الملف الكبير لتلك الأخطاء ، بمافي ذلك الدراسات المنهجيّة ، التي أجريت منذ سنوات خلت ، ولكنه تم إهمالها لأسباب لازالت مجهولة !! .
كانت أبرز الأخطاء التي يصعب تصديقها برزت خلال السنوات العشر الأخيرة ، ولم تصل إلى الإعلام في وقتها ، ففي افلوريدا ارتكب جرّاح خطأ مميتا ، عندما قام ببتر القدم اليمنى لمريض بالسكري ، بينما كانت اليسرى هي المقصودة بالبتر ، بعد إصابتها بالغرغرينا ، وهي مضاعفات تهدد المريض بالموت ، وفي افلوريدا ذاتها حصل خطأ آخر مميت عندما توقّف جهاز التنفّس الصناعي لمريض يعاني أزمة مؤقتة ، فمات فورا … ووصل الأمر إلى بتر الثدي السليم بدلا من المصاب بالسرطان !! … هذه أخطاء نشرتها مجلة تايم الإمريكية العدد في 21 فبراير 2014 ، وكذلك نشرتها المجلات والصحف الإمريكية الأخرى .
وفي ابريطانيا قام طبيب متخصص في أمراض النساء والتوليد بعلاج امرأة من العقم الأوّلي ، إلّا أنّها أصيبت بنزف رحمي متكرر، أقنعها بعده بضرورة استئصال رحمها ، ليكتشف ” أنّ الرحم الذي استأصله بداخله جنين طال انتظاره 27 سنة خلت ” !! ، وأخطأ الدكتور وينستون هيغل مرتين في عدم تشخيص الحمل ، قبل الجراحة عندما استقبلها في عيادته ، ووافقت على إجراء الجراحة ، والمرة الثانية عندما كان الرحم الحامل بين يديه .
قبل ثلاثين سنة كان من السهل الخطأ في تشخيص الحمل المبكّر ، حيث كان الإعتماد على ماتجده المرأة من أعراض عامة ، كالغثيان ، كثرة التبول ، القيئ ، آلام في الثدي ، بجانب انقطاع الدورة الشهرية … وكان الفحص حينها يحتاج لخبرة ومهارة لتقرير أنّ شكل الرحم قد بدأ يستدير وأنّ به من اللّيونة مايجعل تشخيص الحمل محتملا ، أمّا في زمننا فإنّ تشخيص الحمل لايستغرق سوى دقائق معدودة ، وبصفة مؤكدة عن طريق الفحص بالموجات فوق الصوتية ، أو بإجراء اختبارات على هرمونات الحمل في الدم أوالبول ، وذلك مالم يفعله الطبيب البريطاني وينستون هيغل ، وهو بكل المقاييس إهمال إجرامي جسيم .
والأغرب هو موت طفلة في الرابعة من عمرها بسبب جراحة ليست لها أيّ مخاطر ، وهي استئصال اللوزتين ، حيث أصيبت بارتفاع في درجة الحرارة ، ونزيف حاد من الجرح بعد عودتها إلى المنزل ، فإذا كان هناك احتمال للوفاة جرّاء إجراء جراحة استئصال اللوزتين ، فمالّذي سيحدث عندالتعرّض لجراحة زرع النخاع ، أو توسيع شرايين القلب ، أو استئصال ورم في المخ ، أو زراعة المورّثات ( الجينات ) ؟ .
بقت الإشارة إلى أنه ” مات في أمريكا عام 2013 مائتين ألف بسبب ارتدادات سلبية نتجت عن تناول عقاقير طبيّة ، وبذلك تكون الأدوية هي سبب الموت الرابع في أمريكا ، بعد مرض القلب ،السرطان ، والذبحة الصدرية ” (بوسطن جلوب في 08/ 10 / 2014) ، والرقم المذكور لايشمل غيرالحوادث التي نتجت عن أدويّة أعطيت بشكل صحيح ، وكان لها ارتدادات سلبيّة ، مع الأخذ في الاعتبار بأنّه يموت سنويا في أمريكا 4300 مريض من كل مليون إنسان بسبب الانعكاسات السلبية لدواء أعطيّ للمريض في المستشفى بشكل صحيح ، فإذا كان ذلك يحدث في أمريكا ، فإنّ الحال في دول العالم الثالث يليق بها مقولة ” حدّث ولاحرج ” .
تعليقات الموضوع: