الحمد لله والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى ءاله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى
يوم الدين أمابعد :
عندما جاءت النساء للرسول صلى الله عليه وسلم يبايعنه قال لهم الرسول صلى الله عليه وسلم :(( تبايعنني على أن لاّ تشركن بالله شيئا ولا تسرقن ولاتزنين ولا تأتين ببهتان تفترينه بين أرجلكن )) ، فقالت هند بنت عتبة رضي الله عنها وكانت من بين المبايعات حينذاك : ” أوتزني الحرة ؟، ما أقبحة حلالا ، فكيف به حراما ” ، وذلك لأن نساء العرب الحرائر لا يزنين وهن في جاهلية ، ولم يكن كذلك أشراف العرب يفعلون . ثم بعث الله محمدا صلى الله عليه مبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله وسراجا منيرا ، واعتبرالإسلام الزنا من أعظم الفواحش وحرّمه الله تعالى في القرءان الكريم ، قال تعالى : {وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً (الإسراء:32) } ، و عليه فيجب على كل إنسان ذكرا كان أو أنثى وقع في معصية الزنا أن يتوب إلى الله تعالى توبة صادقة وسريعة ، بأن يتركه ويبتعد عن أماكن الفتنة ، ويندم على فعله ويعزم أن لاّ يعود إليه مرة أخرى ، ثم يجب عليه أن يستتر بستر الله عزّ وجلّ ، استجابة لقول الرسول صلى الله عليه الذي قال: (( من ابتُلي بشيء من هذه القاذورات فليستتر بستر الله جلّ وعلا )) رواه الحاكم والبيهقي .
وهو حكم وأمر يستويان فيه الرجل والمرأة على حدّ سواء ، وإن صدقت توبة الزاني و الزانية فإن الله تعالى يغفر لهما ذنبهما ، قال الله تعالى: { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } (الزمر:53) ، وفي الحديث الشريف: (( التائب من الذنب كمن لا ذنب له )) . رواه ابن ماجه . و قد أخرج الترمذي وغيره، وصححه الألباني رحمهم الله جميعا عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( قال الله تعالى: يابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالي يا بن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي )) . وإنني بالمناسبة أقول لكل بنت أسرفت على نفسها في المعاصي توبي إلى ربك الغفور الرحيم توبة صادقة خالصة ، وابتعدي عن أماكن السوء ومظانّه ، ثم إيّاك وإيّاك أن تخبري أيّا كان بمعصيتك ، وأقول لك : استجيبي واسمعي كلام الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم الذي رواه مالك رحمه الله تعالى في الموطأ ، قال صلى الله عليه وسلم : (( أيها الناس قد آن لكم أن تنتهوا عن حدود الله من أصاب من هذه القاذورات شيئاً فليستتر بستر الله )) ، ثم إن الشرع الإسلامي حرّم المجاهرة بالذنب ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (( كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً ثم يصبح وقد ستره الله فيقول يا فلان عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه ، ويصبح يكشف ستر الله عنه )) ، رواه البخاري ، وهكذا فنفس الشيء ينطبق على البنت التي ارتكبت معصية ثم تأتي لخطيبها وتخبره أو تبلغ غيره ، فهي بذلك تكشف ستر الله ، وتعرّض نفسها وأهلها وسمعة المسلمين عموما للضرر وكل ذلك حرّمه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم . إن ارتكاب المعصية ذنب عظيم ، والحديث عنها مع الناس ذنب آخر ومعصية أعظم ، لأنه تسهيل لفعل المعصية ودعوة غير مباشرة إليها ، وإلى الفجور والزنا ، والحديث عن المعصية وسيلة لقطع الطريق على النفس من أن تتوب إلى بارئها سبحانه وتعالى ، لأن الناس قد علموا بمعصيتك ، فإذا ابتلاك الله عز وجل ووقعت في معصية فلماذا لا تستتري بستر الله عز وجل وتكونين من أهل العافية . نعم يجب على كل أنثى ابتليت بمعصية أن تستتر، ويجب عدم فضحها، فإن جاهرت بالمعصية فقد هتكت ستر الله وهو الستار العليم ، وأحلّت للناس عرضها ، وهي بذلك تعمل على إشاعة الفاحشة بين المسلمين ، ثم إنه يجب على كل من اطّلع على عيب أو ذنب مؤمنة ممن لم تعرف بالشر والأذى ، ولم تشتهر بالفساد، ولم تكن داعية إليه، وإنما عملته خائفة متخفية ، لا يجوز فضحها، ولا كشفها للعامة أو الخاصة ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم حثَّ على ستر عورة المسلم وحذَّر من تتبع زلاته قال صلى الله عليه وسلم : ((من ستر عورة أخيه المسلم ستر الله عورته يوم القيامة ، ومن كشف عورة أخيه المسلم كشف الله عورته ، حتى يفضحه الله بها في بيته)) رواه ابن ماجة وصححه في صحيح الجامع .
و كشف العورات والعيوب ، والتحدّث بما وقع من هذه أو تلك قد يؤدي إلى إشاعة الفاحشة والترويج لها، والمؤمن يُستر ويُنصح، والفاجر يُهتك ويُعيرَّ، كما قال الفضيل رحمه الله : “ أما من عُرِف بالأذى والفساد ، والمجاهرة بالفسق ، وعدم المبالاة بما يرتكب ، ولا يكترث بما يقال عنه ، فيندب كشف حاله للناس ، وإشاعة أمره بينهم ليحذروا منه ، لأن الستر عليه يطمعه في الإيذاء ، ومزيدٍ من الفساد ، وانتهاك الحرمات ، والتجاسر على المعصية “.
إن من ارتكبت ذنباً من الذنوب وتابت منه إلى ربها توبة نصوحاً و أقلعت عن الذنب وندمت على فعله وتحسّرت، ثم عقدت العزم على عدم العودة إليه مرة أخرى ، فإن الله سبحانه و تعالى يقبل توبتها ، ومصاق ذلك قول الله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ } التحريم: (من الآية8 ) ، وقال سبحانه: { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } (الزمر:53) ،وقال تعالى: { وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى } (طه:82) . وعلى الجميع إناثا وذكورا التوبة إلى الله تعالى و الإكثار من الطاعات والإستغفار ، فقد قال الله تعالى : { إ ِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ } (هود: من الآية114) .
والثابت الصحيح عند جميع العلماء والسلف الصالح أنّ التائب من الذنب
كمن لا ذنب له، وأن الله عز وجل
يغفر الذنوب جميعاً.
هذا ماتيسّر جمعه وتقريره وبالله تعالى التوفيق وصلى الله وسلم وبارك على
سيدنا محمد وعلى ءاله وصحبه وسلم .
تعليقات الموضوع: